ناشطة موريتانية: هيمنة العقلية القبلية وضعف القوانين تسببا في غياب النضال النسوي

أكدت الناشطة الحقوقية أميناتو بنت مختار أن الحراك النسوي في موريتانيا ضعيف أو منعدم، وذلك بسبب التأثير الكبير للقبيلة وشيوخ الدين الذين يرون في تحرير النساء وضمان حقوقهن فساداً للمجتمع "النساء تعشن في وضعية "معاناة" وتعانين من التمييز والإقصاء".

زهور المشرقي

 تونس ـ تعاني النساء في موريتانيا من تحديات كبيرة تتعلق بحقوقهن وحريتهن في ظل مجتمع يسوده تأثير العادات والتقاليد القبلية رغم بعض التقدم الظاهر في تمكين المرأة على مستوى بعض المناصب، إلا أن الواقع يظهر أن النساء تواجهن صعوبات كبيرة في الحصول على حقوقهن الأساسية، سواء في العمل أو في الحياة الاجتماعية، ويعزى ذلك إلى ضعف التشريعات القانونية الحامية لحقوق النساء، إضافة إلى هيمنة العقلية الذكورية التي تسيطر على الكثير من جوانب الحياة اليومية، كما أن الفقر والتمييز بين الجنسين يمثلان عائقاً أمام تقدم المرأة في مختلف المجالات.

اعتبرت الناشطة الحقوقية الموريتانية ورئيسة رابطة النساء معيلات الأسر، وهي منظمة حقوقية تعمل لصالح النساء والأطفال وخاصة في مكافحة الرق، أميناتو بنت مختار أن الوضع صعب للغاية بسبب سطوة العقلية القبلية وضعف الإرادة السياسية لتحسين واقع النساء في بلد يغتصب فيه قرابة الألف أنثى سنوياً، حيث تشير الأرقام إلى أن حالات الاغتصاب قد تصل إلى 4 حالات يومياً وفي بعض الأحيان تصل إلى 11 حالة في اليوم.

وقالت إنه في عام 2024، سجلت الرابطة 924 حالة اغتصاب، وهو ما يعكس حجم الظاهرة وانتشارها بشكل مقلق. ومع ذلك، لا يتم التنديد بهذه الجرائم بشكل كاف ولا تشهد البلاد احتجاجات أو بيانات رسمية إلا في حالات نادرة، مثل قضية فتاة من عائلة مرموقة التي أخذت بعداً سياسياً.

وأوضحت أن الحراك النسوي في موريتانيا ضعيف أو منعدم رغم وجود بعض الجمعيات، وذلك بسبب التأثير الكبير للقبيلة وشيوخ الدين الذين يرون في تحرير النساء وضمان حقوقهن فساداً للمجتمع، مؤكدة أن النساء في موريتانيا تعشن في وضعية "معاناة" وتعانين من التمييز والإقصاء، خاصة مع نقص الوعي بحقوقهن وقيم العدالة والمساواة "العديد منهن يعتقدن أن الوضع الحالي هو الأفضل لهن بسبب قلة الوعي، بل إنهن تساهمن في تكريس هذا الوضع".

وشددت أميناتو بنت مختار على أهمية وجود قوانين تحمي النساء من العنف وتضمن حقوقهن في العمل السياسي والحزبي، مستغربة من أن تعيين النساء في المناصب القيادية يكون غالباً على أساس قبلي أو انتماء سياسي، دون النظر إلى معايير الكفاءة أو الخبرة.

 وأوضحت أن العديد من النساء في مراكز القرار ليس لديهن تأثير حقيقي، بل يتم تعيينهن لمجرد تزيين المشهد السياسي، حيث يتم التعامل معهن كديكور لا أكثر.

وبينت أنه "برغم أن 52.93% من الموريتانيات يتعلمن، إلا أن فرصهن في الوصول إلى المراكز القيادية تظل محدودة، وهو ما يعكس تأثير العقلية القبلية السائدة"، مشيرة إلى أن ما يحدث في موريتانيا لا يمكن اعتباره "حراكاً نسوياً"، إذ لا يوجد في البلاد حركة نسوية حقيقية تعمل على تحقيق أهداف واضحة لقضية المرأة.

وقالت "للأسف، المناصب في موريتانيا كانت تمنح كنوع من الهبات من قبل الرجال"، مؤكدة أن "المناصب الحقيقية تكتسب من خلال النضال حتى يكون للنساء صوت قوي ومؤثر، نحن نعلم أن التنصيب في بعض الحالات هو مجرد خطوة سياسية تهدف لإرضاء أطراف معينة ولإرسال رسالة للعالم تفيد بأن النساء الموريتانيات تشاركن الرجال في القيادة".

وأشارت إلى أن النظام في نواكشوط يقتصر على إبقاء دور النساء محصوراً في المجال الاقتصادي، بحيث يتم تناول حقوقهن وفقاً لهذا المنظور فقط، مشيرة إلى أن النساء في موريتانيا تعانين من الفقر بشكل أكبر مقارنة بالرجال، ويتم التعامل معهن على أنهن حالات اجتماعية.

وعن تأثير المجتمع القبلي المحكوم بالعادات والتقاليد والدين على وضع النساء، أكدت الناشطة الحقوقية أن غياب الرؤية النسوية الداعمة للمساواة، وعدم تضمين الحقوق في القوانين، قد ساهم في تعزيز الهيمنة القبلية "ضعف وجود أصوات نسائية قوية تدافع عن قضية الحقوق واختلاف التوجهات والرؤى بين النساء ساعد على استمرار سيطرة القبلية".

وأشارت إلى أن القبلية جعلت النساء تركزن على القضايا المادية، ما أدى إلى تهميش قضية الحقوق التي باتت بالنسبة للكثير منهن غير ذات أهمية، بل وحتى ظالمة للمجتمع ومخالفة لمصلحة البلد.

وفيما يتعلق بالتمييز بين الجنسين في سوق العمل، أشارت إلى التمييز الواضح بين الجنسين، حيث تمنح الفرص للرجال بشكل أكبر دون النظر إلى المستوى العلمي "هذا يعود إلى ضعف التنسيق بين القوى النسائية في البلاد، حيث تعمل معظم المنظمات بشكل منفرد ولا تتفق على رؤية أو أهداف مشتركة".

وتطرقت إلى القانون الخاص بحماية النساء، والذي يضم مواداً لحمايتهن من العنف والاغتصاب وزواج الطفلات "لا يزال معطلا منذ عام 2012 رغم موافقة رئيس الدولة عليه واعتماده من مجلس الشيوخ في 2018"؛ مشيرة إلى أن البرلمان يرفضه بسبب كلمة "النوع"، التي تعتبرها الجهات الدينية والقبلية كلمة محرمة، وهذا يعكس غياب الإرادة السياسية لتطبيق القوانين التي تحمي النساء.

كما سلطت الضوء على ظاهرة تزويج الطفلات في موريتانيا، والتي تتضاعف في بعض الحالات بسبب جرائم الاغتصاب "تعتبر أيضاً من أبرز القضايا التي تواجهها النساء في موريتانيا؛ حيث تلجأ بعض الأسر إلى تزويج بناتهن لحماية "السمعة" أو بسبب الوضع الاقتصادي الصعب، كما تستغل بعض الدعايات الدينية المتطرفة لتبرير هذه الممارسات".

وأكدت أن هذا الوضع يتعارض مع الاتفاقيات الدولية الخاصة بحقوق الأطفال، وهو ما يعزز من تهميش حقوق النساء والفتيات في المجتمع.

أما بالنسبة لحالات الطلاق في موريتانيا، أشارت إلى أن نسبة الطلاق تصل إلى 79%، خاصة في الأسر الفقيرة التي تعاني النساء فيها من الجهل بالقانون الأسري ولا يدخلن سوق العمل، مما يجعلهن يعتمدن بشكل كامل على الرجال. كما تطرقت إلى غياب صندوق حماية للمطلقات وأبنائهن، وهو ما يفاقم من معاناتهن.

وأوضحت أن هناك خوفاً مستمراً من الخطاب الديني الذي يهاجم النساء اللواتي يسعين للتحرر والانعتاق "لقد كنت شخصياً ضحية لفتوى دينية تدعو إلى قطع رأسي بسبب نضالي من أجل حرية النساء".

وحول التعاون النسوي في المنطقة المغاربية والإفريقية والشرق الأوسط، ترى الناشطة الحقوقية أميناتو بنت مختار أن الموريتانيات ليس لديهن الاهتمام الكافي بتبادل التجارب مع النساء في الدول الأخرى خاصة في مجال الحرية والحقوق، مؤكدة على أن دعم قضايا النساء يجب أن يكون شاملاً ولا يتجزأ وفقا للعرق أو اللون، بل ينبغي أن يتم العمل وفق استراتيجية مشتركة تدعم وتطور قضايا الحرية والمساواة.